أنواع المعنى عند علماء أصول الفقه
12/6/2009 by محمد محمد يونس علي
1، 1- أنواع المعنى عند ابن الحاجب
يرى ابن الحاجب أن كل المعاني تدخل في نطاق المنطوق الصريح أو غير الصريح إلا مفهومي الموافقة والمخالفة، فهما يدخلان في نطاق المفهوم. ويقصد بالمنطوق الصريح المعنى الوضعي الذي يشمل دلالتي المطابقة والتضمن. أما المنطوق غير الصريح فيقتصر على ضرب من دلالة الالتزام، تلك التي لا توافق ولا تخالف معنى المنطوق، فإن دلت على أحد هذين المعنيين فهي من قبيل المفهوم، ولا تعد من المنطوق، ومن هنا يمكن استنتاج أن بعض اللوازم يدخل في دلالة المفهوم، وهو ما وافق أو خالف المنطوق، وبعضها يدخل في المنطوق غير الصريح، وهو ما لم ينطبق عليه هذا الشرط. وما ذهب إليه ابن الحاجب في قصره المفهوم على مفهومي الموافقة والمخالفة مخالف للرأي المشهور عند علماء أصول الفقه. وهذه النقطة ينبغي الوقوف عندها لأنها هي التي تميز بوضوح رأي ابن الحاجب من رأي بول قرايس، وغيره من اللسانيين حيث يقدم ابن الحاجب معيارا دقيقا للتفريق بين المنطوق والمفهوم يبدو أنه مأخوذ من إمام الحرمين الجويني (ت 478 هـ، 1085 م).[1]
1، 1، 1- المنطوق
يشمل المنطوق كما تقدم نوعين: المنطوق الصريح، والمنطوق غير الصريح.
1، 1، 1 ، 1- المنطوق الصريح
يقول ابن الحاجب: "الدلالة منطوق وهو ما دل عليه اللفظ في محل النطق والمفهوم بخلافه أي لا في محل النطق"،[2] أي عندما يتعلق الأمر بحكم المذكور كما في ‘الغنم السائمة’ في (40) التي يفهم من منطوقها وجوب الزكاة في الغنم السائمة، فإن الدلالة دلالة منطوق لأنها تعلقت بشيء مذكور.
(1) في الغنم السائمة زكاة.
أما إذا بحثنا في حكم ما لم يذكر ولكنه فهم من الكلام بوصفه موافقا لحكم المذكور كما في (41ب) أو مخالفا لحكم المذكور كما في (42ب)، فإن الأمر حينئذ يتعلق بدلالة المفهوم، الذي ينقسم إلى مفهوم موافقة كما في (41) ومفهوم مخالفة كما في (42).
(2) أ- "فلا تقل لهما أفّ"[3].
ب- لا تضربهما.
(3) أ- في الغنم السائمة زكاة.
ب- ليس في الغنم المعلوفة زكاة.
1، 1 ، 1 ، 1، 1- دلالة المطابقة
وكما تقدم فإن دلالة المنطوق –عند ابن الحاجب- تشمل دلالتي المطابقة والتضمن، ويقصد بالمطابقة أن يدل اللفظ وضعا على كمال المسمى، كأن يدل لفظ رجل على الإنسان البالغ الذكر (إنسان + بالغ + ذكر)، ولم يختلف علماء التراث في كون هذه الدلالة وضعية بل يتفقون في أن الوضع كان لها، وهي عادة المقصودة عند الإطلاق، فإذا قيل دلالة الجملة أو الكلمة دون أن يضاف قيد على ذلك، فإن المقصود بذلك دلالة المطابقة. وهذا النوع من الدلالة هو الذي تتعلق به النسبة الخارجية، التي تتيح لنا أن نحكم على الجملة (الإخبارية) بأنها صادقة أو كاذبة. فإذا قيل ‘نجح خالد’ فإن الجملة لا تكون صادقة إلا إذا كان خالد قد نجح في الواقع الخارجي.
1، 1 ، 1 ، 1، 2- التضمن
يقصد بالتضمن أن يدل اللفظ على جزء من معناه، كأن يدل لفظ رجل على واحد من ‘إنسان’ أو ‘بالغ’ أو ‘ذكر’، وهي دلالة منطقية مهمة قد لا يدرك أهميتها كثير من الناس حتى بعض المتخصصين في حقول اللغة منهم. وتبدو أهميتها في أنه لا يمكن أن يصدق على متكلم بأنه يتقن لغة من اللغات ما لم تكن له القدرة على فهمها وإفهامها في عمليات التخاطب، وليس بالضرورة أن يكون عالما بالمصطلح أو مدركا للقضايا النظرية والعلمية المتعلقة بها، والدليل على أن كل متكلمي اللغة يدركون هذا النوع من الدلالة أنه لا يتوقع من عاقل أن ينفي وجود إنسان في الدار إذا كان فيها رجل. ومن القواعد الأساسية التي يطبقها متكلمو اللغة وتندرج في دلالة التضمن:
(أ) إثبات الخاص يستلزم ضرورة إثبات العام، فاستخدام الجملة (43) يستلزم بالضرورة (44)
(4) جاء رجل
(5) جاء إنسان
(ب) إثبات العام لا يستلزم ضرورة إثبات الخاص ولا نفيه، فاستخدام (44) لا يستلزم إثبات (43) لأن الإنسان قد يكون امرأة أو طفلا أو طفلة، ولا نفيها لأنه قد يكون الجائي رجلا.
(ت) نفي الخاص لا يستلزم ضرورة نفي العام ولا إثباته، فاستخدام (45) لا يستلزم (46) و لا (47).
(6) ليس في الدار رجل
(7) ليس في الدار إنسان
(8) في الدار إنسان
(ث) نفي العام يستلزم ضرورة نفي الخاص
فاستخدام (46) يستلزم ضرورة (45).
وقد اختلف علماء الأصول في إدراج دلالة التضمن تحت الدلالة الوضعية، فمنهم من يرى أنها وضعية لفظية ومنهم من يرى أنها عقلية، وممن قالوا بالرأي الأول سيف الدين الآمدي وابن الحاجب، وممن ذهب إلى الثاني الغزالي والرازي.
1، 1، 1 ، 2- المنطوق غير الصريح
لقد قسم ابن الحاجب المنطوق إلى صريح "وهو ما وضع اللفظ له" وغير صريح "وهو ما يلزم عنه".[4] وقد أدخل في الثاني: (أ) دلالة الاقتضاء و(ب) دلالة التنبيه والإيماء و(ج) دلالة الإشارة.
ويفهم من تعريفه للمنطوق غير الصريح أنه يشمل كل استنتاج يستمد من الدلالة الالتزامية للفظ باستثناء مفهومي الموافقة والمخالفة لكونهما يتناولان حكم ما لم يذكر كما أشرنا.
إن النقطة التي تستحق الاهتمام في تصنيف ابن الحاجب هي سبب عدم إدراجه الدلالات (أ) و(ب) و(ج) المذكورة سابقا في دلالة المفهوم، ولكي نقف على ذلك ينبغي أن ننظر في مقصوده من كل واحد من هذه الدلالات.
1، 1، 1 ، 2، 1- الاقتضاء
ويقصد بها المنطوق غير الصريح الذي يتوقف على تقديره صدق المتكلم أو الصحة العقلية أو الشرعية، ففي (48) يظهر أن عدم تقدير كلام محذوف من الكلام يترتب عليه كذب المتكلم وهو أمر لا يتفق مع مبدأ الصدق الذي هو أصل من أصول التخاطب التي لا يحصل تخاطب ناجح دون افتراضه.
(9) "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"[5]
والمقدر هنا هو ما يقتضيه المقام من نحو ‘المؤاخذة’ أو ‘الإثم’ حتى يكون التقدير ‘رفع عن أمتي إثم الخطأ والنسيان’ أو نحو ذلك كي يستقيم الكلام.
أما في (49) فإن الصحة العقلية تقتضي تقدير كلمة ‘أهل’ أو نحوها قبل كلمة ‘القرية’ كي يستقيم الكلام.
(10) "واسأل القرية"[6]
وكذا فإن العتق في (50) يقتضي سبق ملكية المتكلم للرقيق كي يتسنى له عتقه.
(11) والله لأعتقن هذا العبد.
وبعض الأصوليين ومنهم شهاب الدين القرافي (ت 684 هـ- 1285م) يفرقون بين المثالين الأولين (48) و(49) والمثال الأخير(50)؛ فيجعلون (48) و(49) إضمارا، و(50) اقتضاء. والفرق بين الاقتضاء والإضمار –كما يفهم من القرافي- أن عدم التقدير في الإضمار يصيّر اللفظ مجازا، أما عدم التقدير في الاقتضاء فلا يصح معه اللفظ لا حقيقة ولا مجازا.
وهكذا قُيّد الاقتضاء عند القرافي ليقتصر على "دلالة اللفظ التزاما على ما هو شرط في المنطوق كان بإضمار أم لا، ولا يوجب مجازا في اللفظ"[7] ويبدو أن التفريق بين الاقتضاء والإضمار على النحو الذي أوضحه القرافي ضروري، وبناء عليه يمكن القول: إن الاقتضاء داخل في مفهوم الافتراض كما عرفه الغربيون، وليس في دلالة المفهوم. والدليل على صحة إدراج الاقتضاء تحت الافتراض أن نفي الجملة التي تشتمل على الاقتضاء (كما هو عند القرافي) لا يترتب عليه إلغاء الاقتضاء فيها، وهذه هي العلامة المميزة للافتراض، إذ أن نفي (51) كما هو متجسد في (52) لا يترتب عليه إلغاء (53).
(12) والله لأعتقن هذا العبد.
(13) والله لن أعتق هذا العبد.
(14) العبد ملك لي.
1، 1، 1 ، 2، 2- التنبيه والإيماء
دلالة التنبيه والإيماء نوع من الدلالة الالتزامية مقصودة للمتكلم ومقترنة بحكم "لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل كان بعيدا"[8]، أي أنها تنبني على ربط غير صريح بين حكم وصفة على نحو يومئ إلى أن الصفة علة للحكم. فبدلا من أن يقول الشارع إن سبب الحكم هو كذا وكذا أو يستخدم أحد الحروف التي وضعت للتعليل كما في قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"[9] (حيث استخدم لام التعليل لبيان أن علة الخلق إنما هو عبادة الله) يأتي بتركيبة لغوية توحي بوجود علاقة سببية بين حكم وصفة. ومن ذلك ما فهم من الحوار الذي حدث بين الإعرابي والرسول -صلى الله عليه وسلم – حيث بادر الإعرابي بقوله (54أ) فأمره -ص- بأن يعتق رقبة، فدل ذلك على أن الوقاع علة للإعتاق. فالحكم هنا هو الإعتاق والصفة هي المواقعة، وقد وردا بصيغة توحي بسببية المواقعة للإعتاق، "وذلك لأن عرض الإعرابي واقعته عليه -صلى الله عليه وسلم- لبيان حكمها، وذكر الحكم جواب له لتحصيل غرضه".[10]
(15) (أ) "واقعت أهلي في نهار رمضان"
(ب) "أعتق رقبة"
ومن الواضح أن الأصل التخاطبي المعتمد عليه هنا في استنباط دلالة التنبيه والإيماء هو المناسبة، أي مناسبة الكلام للسياق.
1، 1، 1 ، 2، 3- الإشارة
يرى ابن الحاجب أن دلالة الإشارة هي نوع من الدلالة الالتزامية، ولكنها غير مقصودة للمتكلم، وهو ما يخرجها عن ‘المفهوم’ عند قرايس الذي يرى أن كل المفاهيم مقصودة من المتكلمين.[11] ومن أمثلة هذا النوع من الدلالة ما يفهم من الجمع بين قوله –تعالى-:
(16) "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"[12]
وقوله –تعالى-:
(17) "وفصاله في عامين"[13]
الذي يؤدي إلى استنتاج أن
(18) أقل مدة الحمل ستة أشهر
ومن دلالة الإشارة أيضا قوله –تعالى-:
(19) "وأحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم"[14]
الذي يفهم منه أن
(20) الإصباح جنبا جائز.
1، 1، 1- المفهوم
تقدم أن المفهوم هو ما يقابل المنطوق، وينقسم قسمين: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة.
1، 1، 1 ، 1- مفهوم الموافقة
يقصد ابن الحاجب بمفهوم الموافقة "أن يكون المسكوت موافقا في الحكم"[15] للمنطوق، فالنهي عن قول ‘أف’ في (60) يستلزم (61)، لأن العقل يدل على أن الضرب أشد أذى من قول ‘أف’.
(21) "فلا تقل لهما أفّ"[16].
(22) لا تضربهما.
ويشمل مفهوم الموافقة نوعين:
(أ) التنبيه بالأدنى على الأعلى، كما في المثال السابق، وكما في الآية (62) التي تدل على (63)، لأنه إذا كان من عمل مقدار ذرة فسيراه، فإن رؤية من عمل أكثر من ذلك من باب الأولى.
(23) "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره"[17].
(24) من يعمل أكثر من ذرة خيرا يره (من باب أولى).
(ب) التنبيه بالأعلى على الأدنى، كما في (64) التي تستلزم (65) من باب أولى.
(25) "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك"[18].
(26) ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بأقل من قنطار يؤده إليك (من باب أولى).
ولعله من البيّن في مفهوم الموافقة أن القياس الاستدلالي يؤدي وظيفة فاعلة في استنباطه، وهو ما يؤكد رأي ويلسون وسبربر (السابق في 1، 3، 4) في أهمية الاستدلال في استنباط المفاهيم التخاطبية.
1، 1، 1 ، 2- مفهوم المخالفة
عرف ابن الحاجب مفهوم المخالفة بأنه "أن يكون المسكوت عنه مخالفا"[19] أي "مخالفا للمذكور في الحكم إثباتا ونفيا"[20]، فإذا وجبت الزكاة في السائمة بحكم منطوق (66أ)، تقرر عدم وجوبها في المعلوفة بحكم (66ب) الذي هو مفهوم (66أ).
(27) أ- في الغنم السائمة زكاة.
ب-ليس في الغنم المعلوفة زكاة
وهكذا فإن حكم المسكوت عنه (وهو الغنم المعلوفة في المثال السابق) ينبغي أن يخالف المذكور (وهو الغنم السائمة في المثال السابق).
ويشمل مفهوم المخالفة أنواعا مختلفة سنكتفي بذكر بعضها باختصار:
1- مفهوم الصفة وقد سبق التمثيل له في (66).
2- مفهوم الشرط، ومن أمثلته قوله تعالى:
(28) "وإن كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن أجلهن"[21]
فقد اشترط في الإنفاق عليهن كونهن حوامل، وهو ما يقتضي –بحكم مفهوم المخالفة- أن أجل غير الحوامل مخالف لذلك.
3- مفهوم الغاية، ومنه قوله تعالى:
(29) "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"[22]
حيث يفهم منه أن المطلقة ثلاثا إذا نكحت زوجا غيره تحل، ويفهم من المثال السابق (67) أن الوضع هو غاية عدة الحوامل، فلا ينفق عليهن بعدها.
4- مفهوم العدد، ومنه قوله تعالى:
(30) "فاجلدوهم ثمانين جلدة"[23]
الذي يفهم منه أن ما زاد عن الثمانين غير واجب.
5- مفهوم الاستثناء، ومن أمثلته:
(31) لا إله إلا الله.
منطوقه نفي ألوهية غير الله، ومفهومه أن الله إله.
وقد اختلفت دراسة ما عرف عند الأصوليين بمفهوم المخالفة عن دراسته عند اللسانيين الغربيين الذين ناقشوا معظم أنواعه تحت مسمى المفهوم التدرجي scalar implicature، والظاهر أن تسمية الأصوليين جاءت من كون حكمه مخالفا لحكم المنطوق أو المذكور في حين جاءت تسمية الغربيين من كون المفهوم جزءا من مفهوم افتراضي أعم تناول المنطوق جزءا منه، وسكت المتكلم عن الجزء الآخر، وكأنه بذلك تدرج من حكم العام إلى حكم الخاص، ليومئ إلى دلالةٍ ما تتعلق بالمسكوت عنه، وهكذا اعتنى الأصوليون بالمخالفة بين المنطوق والمسكوت عنه، واهتم الغربيون بالتدرج في الانتقال من العام إلى الخاص.
[1] إمام الحرمين أبو المعالي الجويني، البرهان في أصول الفقه، تحقيق عبد العظيم الديب (قطر: 1299 هـ) 1: 448- 453.
[2] ابن الحاجب، مختصر المنتهى الأصولي ، ط2، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1983)، 2:171.
[3] سورة الإسراء، 17: 23.
[4] ابن الحاجب، 2:171.
[5] من الرواة الذين أخرجوا هذا الحديث، ابن ماجه، والبيهقي، وقد ورد في سنن ابن ماجه في كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي بصيغة "إن الله وضع الله عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه". وأخرجه البيهقي في باب ما جاء في طلاق المكره بالصيغة الآتية: "إن الله تجاوز لي عن أمتي …" (حديث رقم 15472) وفي رواية أخرى "وضع الله عن أمتي …" (حديث رقم 15474). ينظر:
· أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي بن ماجه، السنن، (جمعية المكنز الإسلامي: 2000م)، ص 287.
· أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، السنن الكبرى، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1996)، 11: 262-3.
[6] سورة يوسف: 12: 82.
[7] شهاب الدين القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط2 (الرياض: مكتبة نزار مصطفى الباز، 1997)، 2:647.
[8] ابن الحاجب، 2:234.
[9] سورة الذاريات، 51 :56.
[10] عضد الملة والدين، شرح مختصر المنتهى الأصولي لابن الحاجب،ط2، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1983)، 1983، 2: 234-235.
[11] Levinson (1983: .116).
[12] سورة الأحقاف، 46 :15.
[13] سورة لقمان، 31 :14.
[14] سورة البقرة، 2 :187.
[15] ابن الحاجب، 2: 172.
[16] سورة الإسراء، 17: 23.
[17] سورة الزلزلة: 99: 7.
[18] سورة آل عمران: 3:75.
[19] ابن الحاجب، 2: 173.
[20] عضد الملة والدين، 2:173.
[21] سورة الطلاق، 65 :6.
[22] سورة البقرة، 2 :230.
[23] سورة النور، 24 :4.
استاذي الكريم
بناء على اختلاف دراسةاللسانيين الغربيين للمفهوم التدرجي عن دراسة الاصوليين لمفهوم المخالفة،الا يعطي ذلك -في دراسة اللسانيين- دلالات للمسكوت عنه أعم من دلالة المخالفة في الحكم عند الأصوليين للمسكوت عنه؟
هذا صحيح لأن نطاق المفهوم التدرجي أعم من مفهوم المخالفة، وبناء على ذلك فإن المسكوت عنه أيضا أعم. وبهذه المناسبة أشكرك على إثارة هذا السؤال؛ لأنه قد يفتح مجالا جديدًا في البحث، وربما كان من مشمولات هذا المجال: عندما نقول: الجو حار جدا ؛ إذن من الواضح أن مفهوم المخالفة هو الجو ليس حارا جدا، على حين أن المسكوت عنه في المفهوم التدرجي هو
الجو ليس حارا جدا
الجو ليس حارا
الجو ليس معتدلا
إلخ
والسؤال الذي يستحق البحث هو ألا تدخل الأمثلة الأخيرة في مفهوم المخالفة عند الأصوليين؟
أعتذر عن الخطأ المطبعي في التعليق السابق، والصواب هو
من الواضح
بدلا من
إذن من الواضح
مشكور استاذي الكريم
الا يعني الاصوليين ب"المخالفة " هو انتفاء الحكم عن غير المذكور لا ثبوت نقيضه(اذ المخالفة اعم من التناقض)؟
وقول الشافعي "تخصيص الشيء الموصوف بالذكر يدل على أن العاري عنها حكمه بخلاف حكم المتصف بها" -فيما نقله الجويني-،يدل على ان مفهوم المخالفة هو الاحتمال بين كل حكم مناسب عدا حكم المذكور
؟
على اعتبار ان :
الجو ليس حارا جدا
الجو ليس حارا
الجو ليس معتدلا
احكام مناسبة،وليست هي نقيض حكم المذكور
،وبذا يقترب مفهوم المخالفة من المفهوم التدرجي
وقد بحثت ذلك في مؤلفكم(علم التخاطب الإسلامي) فلم استبن بعد
ملاحظة: ذكر الجويني عن شيخه ابي الحسن لما نفى عنه انكاره مفهوم المخالفة "انه فهم قوله تعالى(كلا انهم عن ربهم يومئذ لمجوبون) انه لما ذكر الحجاب-عن الرؤية-في اذلال الأشقياء،اشعر ذلك بنقيضه في السعداء"
وهاهنا استعمل الجويني مفهوم المخالفة بمعنى اثبات النقيض..
-الشقي لا يرى الله
- السعيد يرى الله
أشكرك مرة أخرى أستاذ طارق، فمازالت أسئلتك تفتح آفاقا جديدة للبحث.
ولكي يستبين لنا الأمر لابد من الخوض في تفريق المناطقة بين النقيض والضد، فالمتناقضان لا يجتمعان معا ولا يرتفعان معا، ولذا فإن الشيء الواحد لا يكون متحرّكا وساكنا في الوقت نفسه، كما أنه لا يمكن ألا يكون متحركا وساكنا، وبناء عليه، إذا قلنا الأرض متحركة، فذلك يعني أنها ليست ساكنة، وربما كان هذا من المواضع القليلة جدا التي تكون دلالة مفهوم المخالفة فيها دلالة قطعية (وهذا بالمناسبة من اجتهاداتي الآنية التي أثارها سؤالك، ولم يشع عند الأصوليين أن لمفهوم المخالفة دلالة قطعية إلا بتعزيز من دليل سياقي آخر)، ووجه القطع فيها هنا يأتي من أحكام المنطق التي تقضي بعدم الجمع بين النقيضين، فإذا كانت الأرض متحركة، فذلك يعني قطعا أنها ليست ساكنة.
أما الضدان كالأبيض والأسود، فلا يجتمعان معا في الموضع الواحد، ولكن قد يرتفعان معا؛ وذلك لأن الأمر يحتمل وجود خيار ثالث، وهو في مثالنا المذكور، الأحمر أو الأخضر (إلخ)، ولذا إذا قيل: القلم أحمر، فذلك يعني قطعا (وهنا دلالة قطعية أخرى) أنه ليس بأخضر ولا بأزرق، ولكن إذا قيل: القلم ليس بأحمر، فلا يعني أنه أخضر أو أزرق (إلخ).
والظاهر في معالجة الأصوليين أنهم يعدون كل ما خالف المذكور من قبيل مفهوم المخالفة، أي أن كل ما سكت عنه (من المسكوتات المناسبة طبعا، أي التي يستدعيها المذكور وليس كل مسكوت عنه على الإطلاق) يأخذ جكما مخالفا. وبهذا يكون مفهوم المخالفة عند الأصوليين شبيها بالمفهوم التدرجي SCALAR IMPLICATURE عند الغربيين، وإن كانت المقاربة الأصولية تنطلق من فكرة المخالفة بين المنطوق والمكتوب، والمقاربة اللسانية الغربية تنطلق من فكرة التدرج، أي وجود مستويات مختلفة في مدرج واحد بحيث إذا أثبت مستوى منها استلزم ذلك نفي سائر المستويات الأخرى.